فصل: من مات في هذه السنة من العلماء والأمراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.من مات في هذه السنة من العلماء والأمراء:

مات الإمام الوالي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي ابن حجازي بن محمد البيومي الشافعي الخلوتي ثم الأحمدي، ولد تقريباً سنة 1108، حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر دروس الأشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني، وتلقن الخلوتية من السيد حسين الدمرداش العادلي، وسلك بها مدة، ثم أخذ طريق الأحمدية عن جماعة، ثم حصل له جذب ومالت إليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم. وانجذبت إليه الأرواح ومشى كثير من الخلق على طريقته وأذكاره، وصار له أتباع ومريدون، وكان يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر خارج الحسينية، وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته، وكان ذا واردات وفيوضات وأحواله غريبة. وألف كتباً عديدة منها شرح الجامع الصغير وشرح الحكم لابن عطاء الله السكندري وشرح الإنسان الكامل للجيلي، وله مؤلف في طريق القوم خصوصاً في طريق الخلوتية الدمرداشية ألفه سنة 1144 وشرح الأربعين النووية ورسالة في الحدود وشرح على الصيغة الأحمدية وشرح على الصيغة المطلسمة، وله كلام عال في التصوف، وإذا تكلم أفصح في البيان وأتى بما يبهر الأعيان، وكان يلبس قميصاً أبيض وطاقية بيضاء ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء ولا صيفاً، وكان لا يخرج من بيته إلا في كل أسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على بغلة وأتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر، وربما جلس شهوراً لا يجتمع بأحد من الناس. وكانت كرامات ظاهرة. ولما كان يعقد الذكر بالمشهد الحسيني في كل يوم ثلاثاء ويأتي بجماعته على الصفة المذكورة ويذكرون في الصحن إلى الضحوة الكبرى، قامت عليه العلماء وأنكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من أقدام جماعته إذ غالبهم كانوا يأتون حفاة ويرفعون أصواتهم بالشدة، وكاد أن يتم لهم منعه بواسطة بعض الأمراض، فانبرى لهم الشيخ الشبراوي وكان شديد الحب في المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والأمراء: هذا الرجل من كبار العلماء والأولياء فلا ينبغي التعرض له. وحينئذ أمره الشيخ بأن يعقد درساً بالجامع الأزهر، فقرأ في الطيبرسية الأربعين النووية وحضره غالب العلماء وقرر له ما بهر عقولهم، فسكتوا عنه وخمدت نار الفتنة. ومن كلامه في آخر رسالة الخلواتية ما نصه: فمن منن الله علي وكرمه أني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة، وكنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض السنين لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة، ورأيته يقول لأبي بكر رضي الله عنه اسع بنا نطل على زاوية الشيخ دمرداش، وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا أقول الله الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت الشيخ الكبير يقول لي عند ضريحه مد يدك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حاضر عندي. ورأيته في خلوة الكردي، يعني الشيخ شرف الدين المدفون بالحسينية، بين اليقظة والنوم وأنا جالس فانتبهت فرأيت النور قد ملأ المحل، فخرجت منها هائماً فحاشني بعض من كان في المحل فوقفت عند الشيخ ولم أقدر على العود إلى الخلوة من الهيبة إلى آخر الليل. وتبسم في وجهي مرة وأعطاني خاتماً وقال لي والذي نفسي بيده في غد يظهر ما كان مني وما كان منك. ومن كراماته أنه كان يتوب العصاة من قطاع الطريق ويردهم عن حالهم فيصيرون مريدين له، وذا سمعته من الثقات، ومنهم من صار من السالكين، وكان تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر، وتارة بالشوق في رقبتهم يؤدبهم بما يقتضيه رأيه. وكان إذا ركب ساروا خلفه بالأسلحة والعصي، وكانت عليه مهابة الملوك، وإذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى يصير كالوحش النافر في غاية القوة، فإذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف. وكان الجالس يرى وجهه تارة كالوحش وتارة كالعجل وتارة كالغزال. ولما كان بمصر مصطفى باشا مال إليه واعتقده وزاره، فقال له: إنك ستطلب إلى الصدارة في الوقت الفلاني، فكان كما قال له الشيخ. فلما ولي الصدارة بعث إلى مصر وبنى له المسجد المعروف به بالحسينية وسبيلاً وكتاباً وقمة وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الأمير عثمان أغا وكيل دار السعادة، ولما مات خرجوا بجنازته وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم، ودفن بالقبر الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور. ذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور.
ومات علامة وقته وأوانه الآخذ من كمية البلاغة بعنانه الولي الصوفي من صفا فصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم الفوي، رحل من بلدته فوة إلى الجامع الأزهر فطلب العلم، وأخذ عن الشيخ الديربي فجعله مملياً عليه في الدرس، حتى قرأ الأشموني والمختصر ونحو ذلك، وأخبر عن نفسه كان ملازماً لولي من أولياء الله تعالى، فحين تعلقت نفسه بالمجيء إلى الجامع الأزهر توجه مع هذا الولي لزيارة ثغر دمياط. ثم اشتغل بالفقه وغيره من أصول ومنطق ومعان وبيان وتفسير وحديث وغير ذلك، حتى فاق على أقرانه وصار علامة زمانه. ثم أخذ عن الشيخ الحفني الطريق وتلقن الأسماء وسار على حسب سلوكه وسيره، وألبسه التاج وأجازه بأخذ العهود والتلقين والتسليك، وصار خليفة محضاً، فأدار مجالس الأذكار ودعا الناس إليها في سائر الأقطار، وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق بأسرار القرآن ويتكلم في الحقائق. نقل عن الشيخ الحفني أنه ورد عليه منه مكتوب فقال: الحمد لله الذي جعل في أتباعه من هو كمحيي الدين ابن العربي. توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة. وخلف ولده السيد أحمد موجود في الإحياء بارك الله فيه. وممن أخذ عنه صاحبنا العمدة العلامة الصالح السيد علي المعروف بزيارة الرشيدي وهو خليفة الخلوتية الآن بثغر رشيد نفع الله به.
ومات الجناب المبجل الفريد الكاتب الماهر المنشئ البليغ المجيد محمد أفندي بن إسمعيل السكندري العارف بالألسنة الثالثة العربية والفارسية والتركية، وكان لديه محاورات ولطائف أدبية وميل شديد إلى علم اللغة، وبحث عن الأدوات المتعلقة به ورسائله في الألسن الثلاثة غاية في الفصاحة، مع حسن حظ ووفور حظ ومهابة عند الأمراء وقبول عند الخواص، ووالده كان إسرائيلياً فأسلم وحسن إسلامه وتولى مناصب جليلة بالثغر، وله هناك شهرة فولد هذا هناك وهذبه وأدبه حتى صار إلى ما صار، واستقر بمصر وما زالت له أملاك هناك وقرابة رايته يأتي لزيارة الشيخ الوالد، وقد اكتهل وتناهى في السن وأبقى الدهر في زواياه خبايا مستحسنة. ورأيت بخط يده كتاب بهارستان لمولانا جامي قدا حسن في كتابته وأتقن في سياقه ومجموعاً فيه النوادر من أشعار الألسن الثلاثة. وبالجملة لم يكن في عصره من يدانيه في الفنون التي كان تجمل بها. وقد ذكره الأديب الشيخ عبد الله الأدكاري في بضاعة الأريب وأثنى على محاسنه وكانت بينهما ألفة تامة ومصافاة ومصادقة ومحاورات أدبية. فإن المترجم كان أوحد عصره ووحيد مصره لم يدانيه في مجموعة الفضائل أحد، ولم يزل حميد المسعى جميل السيرة بهياً وقوراً مهيباً عند الأمراء والوزراء حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة حادي عشر المحرم من السنة.
ومات الأستاذ العارف سيدي علي بن العربي بن علي بن العربي الفاسي المصري الشهير بالسقاط، وله بفارس وقرأ على والده وعلى العلامة محمد ابن أحمد بن العربي بن الحاج الفاسي، سمع منه الأحياء جميعاً بقراءة ولد عمه النبيه الكاتب أبي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد بن علي السقاط، وعلى ولده أبي العباس أحمد بن محمد العربي ابن الحاج، ولما ورد مصر حاجاً لازمه فقرأ عليه بلفظه من الصحيح إلى الزكاة والشمايل بطرفيه بالجامع الأزهر، وكثيراً من المسلسلات والكتب التي تضمنتها فهرست ابن غازي قراءة بحث وتفيهم، وأجازه حينئذ بأواسط جمادى الثانية سنة 1143 وجاور بمكة فسمع على البصري الصحيح كاملاً ومسلماً بفوت وجميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى، وذلك خلف المقام المالكي عند باب إبراهيم وأجازه، وعلى النخلي الفيومي أوائل البخاري، وعلى أحمد بن أحمد الغرقاوي وأجازه، وعلى عمر بن عبد السلام التطاوني جميع الصحيح وقطعة من البيضاوي بجامع الغوري سنة 1136، وجميع المنح البادية في الأسانيد العالية، وأضافه على الأسودين وشابكه وصافحه وناوله السبحة وأجازه بسائر السلسلات، وعلى محمد القسطنيطيني رسالة ابن أبي زيد برواق المغاربة، وعلى محمد بن زكري شرحه على الحكم بجامع الغوري، وعلى سيدي محمد الزرقاني كتاب الموطأ من باب العتق إلى آخره وأجازه به يوم ختمه وذلك ثامن شعبان سنة 1113. وروى حديث الرحمة عن سيدي السيد مصطفى البكري في سنة 1160، وأجازه ابن الميت في العموم، واجتمع به شيخنا السيد مرتضى في منزل السيد علي المقدسي وكان قد أتى إليه لمقابلة المنح البادية على نسخته، وشاركهما في المقابلة وأحبه وباسطه وشافهه بالإجازة العامة وكان إنساناً مستأنساً بالوحدة منجمعاً عن الناس محباً للانفراد غامضاً ولا زال كذلك حتى توفي في أواخر جمادى الأولى سنة 1183، ودفن بالزاوية بالقرب من الفحامين.
ومات الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رحال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيه بن سيبيه الهواري، عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد، وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار، وأخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان، منها أنه إذا نزل بساحته الوفود والضيفان تلاقهم الخدم وأنزلوهم في أماكن معدة لأمثالهم وأحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والأواني وغير ذلك ثم مرتب الأطعمة في الغداء والعشاء والفطور في الصباح والمربيات والحلوى مدى إقامتهم لمن يعرف ومنن لا يعرف. فإن أقاموا على ذلك شهوراً لا يختل نظامهم ولا ينقص راتبهم وإلا قضوا أشغالهم على أتم مرادهم، وزادهم إكراماً وانصرفوا شاكرين، وإن كان الوافد ممن يرتجي البر والإحسان أكرمه وأعطاه وبلغه أضعاف ما يترجاه. ومن الناس من كان يذهب إليه في كل سنة ويرجع بكفاية عامة، وهذا شأنه في كل من كان من الناس. وأما إذا كان الوافد عليه من أهل الفضائل أو ذوي البيوت قابله بمزيد الاحترام وحياه بجزيل الأنعام، وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر والغلال والثمر والسمن والعسل، وإذا ورد عليه إنسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه. وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر مستمر على الدوام لا ينقطع أبداً. وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر فلا يفرغون من ذلك إلى ضحوة النهار، ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى إلى قريب العصر، ثم يبتدئون في أمر العشاء، وهكذا. وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كير، ويطلب في كل سنة دفتر الارقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم، فإن وجده خمسمائة أو أربعمائة استبش وانشرح، وإن وجده ثلاثمائة أو اقل أو نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره، ورأى أن ربما كانت في أعظم من ذلك، وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف ثور، وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والأبقار الحلابة وغير ذلك. وأما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة فشي لا يعد ولا يحد، وكان الإنسان الغريب إذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب، فتنبت وتصير خضراً كأنها مزرعة، وكان عنده من الأجناد والقواسة، وأكثرهم من بقايا القاسمية، انضموا إليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة، وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا بأخلاق تلك البلاد ولغاتهم، وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفين والمحاسبين لا يبطل شغلهم ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلاً ونهاراً، ويجلس معهم حصة من الليل إلى الثلث الأخير بمجلسه الداخل يحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات. لا يعزب عن فكره شيء قل ولا جل، ثم يدخل إلى الحريم فينام حصة لطيفة، ثم يقوم إلى الصلاة. وإذا جلس مجلساً عاماً وضع بجانبه فنجاناً فيه قطنة وماء ورد، فإذا قرب منه بعض الأجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بأنفه حذراً من رائحتهم وصنانهم. وكان له صلات وإغداقات وغلال يرسلها للعلماء وأرباب المظاهر بمصر في كل سنة. وكان ظلاً ظليلاً بأرض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد محمد مرتضى وعرف فضله أكرمه إكراماً كثيراً وأنعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد، وكذلك كان فعله مع أمثاله من أهل العلم والمزايا. ولم يزل هذا شأنه حتى ظهر أمر علي بك وحصل ما تقدم شرحه من وقائعه مع خشداشينه وذهابه إلى الصعيد وأعلموه بما أوقعه بهم علي بك فاغتم على فقد صالح بك غما شديداً. وحمله ذلك على أن أشار عليهم بذهابهم إلى أسيوط وتملكهم إياها فإنها باب الصعيد، فذهبوا إليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم، وأمدهم شيخ العرب المترجم حتى ملكوها وأخرجوا من كان بها واستوحش منه لي بك بسبب ذلك وتابع إرسال التجاريد، وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم إلى قبلي على تلك الصورة فعند ذلك علم همام أنه لم يبق مطلوباً لهم سواه وخصوصاً مع ما وقع من فشل كبار الهوارة وأقاربه ونفاقهم عليه، فلم يسعه إلى الارتحال من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات، وذهب إلى جهة اسنا، فمات في ثامن شعبان من السنة، ودفن في بلدة تسمى قموللة، فقضى عليه بها رحمه الله. وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم. ولما مات انكسرت نفوس الأمراء، ثم أن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشاً لكونه أكبر أخوته وأشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل. وأما الأمراء فمنهم من أخذ أماناً من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية درنه ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم، ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد. وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك وأعطاه بلاد فرشوط ورجع مكرماً إلى بلاده. فلم يحسن السير ولم يفلح، وأول ما بدأ ي أحكامه أنه صار يقبض على خدم أبيه وأتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم، وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالاً عظيمة في عدة أيام على مرار، أخذ منه في دفعة من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين ألفاً، وكذلك من يصنع البرد للجواري السود والعبيد، وذلك خلاف وكلاء الغلال والأقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع والزيت والبن والشركاء في المزارع. ووصلت أخباره بذلك إلى علي بك فعين عليه أحمد كتخدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالأموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه، واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته، وأخذ منه جملة وكذلك أتباعه من بعده، حتى أخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة، ثم تتبعوا الحفر لأجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها وأخربوها، وحضر درويش المذكور بآخرة إلى مصر جالياً عن وطنه، ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس. واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بأرض الوقف أسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا. فأما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه، وخلف ولداً يدعى محمداً. وأما عبد الكريم فإنه مات على فراشه قريباً من ذلك التاريخ، وترك ولداً يدعى هماماً دون البلوغ، يوصف بالنجابة حسبما نقل إلينا من الأسفار. وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات، ورأيت ابن عمه محمد المذكور حين أتى إلى مصر بعد ذهاب الفرنسيس، وتردد عندي مراراً وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فاقهم عليه، فلم يسعه إلى الارتحال من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات، وذهب إلى جهة اسنا، فمات في ثامن شعبان من السنة، ودفن في بلدة تسمى قموللة، فقضى عليه بها رحمه الله. وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم. ولما مات انكسرت نفوس الأمراء، ثم أن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشاً لكونه أكبر أخوته وأشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل. وأما الأمراء فمنهم من أخذ أماناً من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية درنه ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم، ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد. وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك وأعطاه بلاد فرشوط ورجع مكرماً إلى بلاده. فلم يحسن السير ولم يفلح، وأول ما بدأ ي أحكامه أنه صار يقبض على خدم أبيه وأتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم، وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالاً عظيمة في عدة أيام على مرار، أخذ منه في دفعة من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين ألفاً، وكذلك من يصنع البرد للجواري السود والعبيد، وذلك خلاف وكلاء الغلال والأقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع والزيت والبن والشركاء في المزارع. ووصلت أخباره بذلك إلى علي بك فعين عليه أحمد كتخدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالأموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه، واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته، وأخذ منه جملة وكذلك أتباعه من بعده، حتى أخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة، ثم تتبعوا الحفر لأجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها وأخربوها، وحضر درويش المذكور بآخرة إلى مصر جالياً عن وطنه، ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس. واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بأرض الوقف أسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا. فأما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه، وخلف ولداً يدعى محمداً. وأما عبد الكريم فإنه مات على فراشه قريباً من ذلك التاريخ، وترك ولداً يدعى هماماً دون البلوغ، يوصف بالنجابة حسبما نقل إلينا من الأسفار. وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات، ورأيت ابن عمه محمد المذكور حين أتى إلى مصر بعد ذهاب الفرنسيس، وتردد عندي مراراً وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ومات الجناب الكبير والمقدام الشهير من سر بذكره الركبان وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب منن أكابر عظماء مشايخ العرب بالقليوبية، ومسكنهم دجوة على شاطي البحر، وهو كبير نصف سعد مثل أبيه حبيب بن أحمد وليس لهم أصل مذكور في قبائل العرب، وإنما اشتهروا بالفروسية والشجاعة. وحبيب هذا أصله من شطب قريبة قريبة من أسيوط ولما مات حبيب خلف ولديه سالماً وسويلماً وكان سالم أكبر من أخيه، وهو الذي تولى الرياسة بعد أبيه واشتهر بالفروسية، وعظم أمره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورجاله وخيوله، وأطاعته جميع المقادم وكبار القبائل، ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم وامتثلوا أمره ونهيه ولا يفعلون شيئاً بدون إشارته ومشورته. وصار له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق إلى رشيد ودمياط. وكان هو وفرسه مقوماً على انفراده بألف خيال. وكان ظهور حبيب هذا في أوائل القرن. واتفق له ولابنه سالم هذا وقائع وأمور مع إسمعيل بك ابن إيواظ وغيره لا بأس يذكر بعضها في ترجمته منها أن في سنة 1125 أرسل حبيب ولده سالماً إلى خيول الأمير إسمعيل بك ابن إيواظ وهجم علياه بالمربع وجم معافها وأذنابها وتركها وذهب، ولم يأخذ منها شيئاً. وذلك بإغراء بعض الناس مثل قيطاس بك وخلافه. وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية. وحضر أميراخور وأخبر مخدومه، فاغتاظ لذلك وعزم على الركوب عليه، فلاطفه يوسف بك الجزار حتى سكن غيظه، ثم أحضر حسناً أبا دفية زعيم مصر سابقاً من القاسمية، مشهور بالجشاعة، وجعلوه قائمقام الأمانة، فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته طوائل ورجال، وأمره بأن يطلب شر حبيب وإن قدر على قتله فليفعل. وكتب مكاتبات للنواحي بأن يكونوا مطيعين للمذكور، فلم يزل حتى نزل في غيط برسيم عند ساقية خراب، وعمل هناك متراساً ووضع المدفعين وغطاهما بلباد، وأقام رصد خيالة بالطريق، وإذا بسالم بن حبيب ركب في عبيده ورجاله متوجهين إلى الجزيرة، فنزل بطريقه بغيط الأوسية فحضر الخيالة الرصد إلى الأمير حسن أبي دفية وأخبروه، فركب برجاله وأبقى عند المدافع عشرة من السجمانية وأوصاهم بأنهم إذا انهزموا من القوم فإنهم يرمون بالمدفعين سواء، ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم ورمى منهم رجالاً ووقع منها أيضاً عند رمي المدافع والرصاص ثلاثة عشر خيالاً، وأخذوا منهم نحو ستة قلائع. ورجع سالم بن حبيب بمن بقي من طائفته إلى أبيه وعرفه بما وقع له مع الأمير حسن أبي دفية، فأرسل إلى عرب الجزيرة فأحضر منهم فرساناً كثيرة، وكذلك من إقليم المنوفية، وركب الجميع قاصدين، مناوشته. ووصلته أخبار ذلك فركب بمن معه وفعل كالأول، وركب مبحراً وانعطف عليهم وحاربهم، فرمى منهم فرساناً فانهزموا أمامه. فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد، فانهزم أمامهم فرمحوا خلفه طمعاً منهم، حتى وصل المدافع فرموا بهم وأتبعوهم بطلق الرصاص فولوا هاربين، وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان. وأخذوا منهم خيولاً وسلاحاً وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى ورجع سالم إلى أبيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم، فأرسل حبيب إلى قيطاس بك يقول له: إنك أغريتنا بابن إيواظ وتولد من ذلك أنه وجه علينا قائمقامه حرقنا بالنار وقتل منا أجاويد. فأرسل إليه مكاتبة خطاباً للقصاصين بمعاونته ومساعدته، فحضر إليه منهم عدة فرسان ضاربي نار وجمع إليه عربان الجزيرة وخيالة كثيرة من المنوفية، وركب حبيب وأولاده وجموعه إلى جسر الناحية، ونزل هناك، وأرسل أولاده بخيول يطلبون شر أبي دفية. وإذا ركب عليهم انهزموا أمامه حتى يصلوا إلى محل رباطهم بالجسر، ففعلوا ذلك إلى أن وصلوا إلى الجسر، فضربت القصاصة بنادقهم طلقاً واحداً فرموا نحو ثلاثين جندياً من الكبار، والذي ما أصيب في بدنه أصيب حصانه، وردت عليهم الخيول وانهزم الأمير حسن أبو دفية بمن بقي معه إلى دار الأوسية، فأخذت العرب الخيول الشاردة وعروا الغز ورموهم في مقطع من الجسر، وأرسل العبيد أتواباً لجراريف وجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا تكفين. ورجع إلى بلده وخلص ثأره وزيادة، وحضرت الأجناد إلى مصر وأخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب وأولاده، فعزل الأمير حسن أبا دفيه من قائمقاميته وولى خلافه، وأخذ فرماناً بضرب حبيب وأولاده وركب عليهم من البر والبحر، ووصلت النذيرة إلى حبيب فرمى مدافع أبي دفية البحر، ووضع النحاس في أشناف وألقاها أيضاً في البحر. وقيل أن حبيب قبل هذه الواقعة بأيام أحضر ستة قناديل وعمرها بعدما عاير فتائلها وزنها بالميزان عياراً واحداً وكتب على كل قنديل ورقة باسمه واسم أخيه وأولاده واسم ابن أيواظ، وأسرجها دفعة واحد فانطفأ الذي باسمه أولاً ثم انطفأ قنديل ابن إيواظ ثم قناديل أخيه وأولاده شيئاً بعد شيء. فقال: إنا أموت في دولة ابن أيواظ. ولما وصل إليه الخبر بحركة ابن أيواظ وركوبه عليه فركب بأخيه وأولاده وخرجوا هاربين، ووصل ابن أيواظ إلى دجوة ورمحوا على دواويرهم ورموا الرصاص، وكانت المراكب وصلت إلى البر الغربي تجاه دجوة ورسوا هناك، وموعدهم سماع البنادق. فعند ذلك عدوا إلى البر الشرقي وطلعوا إليه. فأمر ابن أيواظ بهدم دواوير الحابيبة فهدموها بالقزم والفؤوس وأنشأ كفراً بعيداً عن البحر بساقيه وحوض دواب وجامع وميضأة وطاحونين، وجمع أهل البلد فعمروا مساكنهم في الكفر وسموه كفر الغلبة. ورجع الأمير إسمعيل إلى مصر وأخذ الغز والأجناد أبقاراً وعجولاً وأغناماً وجواميش وأمتعة وفرشاً وأخشاباً شيئاً كثيراً، ووسقوه في المراكب وحضروا به من البر أيضاً إلى مصر. وكتب مكاتبات إلى سائر القبائل من العربان بتحذيرهم من قبولهم حبيباً وأولاده، وأن لا ينجمع عليه أحد ولا يأويه، فلم يسعهم، إلا أنهم ذهبوا عند عرب غزة فأكرموهم ولم يزل بها حتى مات، وحضر سالم ابنه بعد ذلك إلى قليوب ببيت الشواربي شيخ الناحية سراً وأخذ له مكاتبة من إبراهيم بك أبي شنب خطاباً إلى ابن وافي المغربي بأن يوطن أولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم إجازة من أستاذهم، فأرسل أحضر عمه وأخاه سويلماً وعدوا إلى الجبل الغربي، وساروا عند ابن وافي شيخ المغاربة فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر وأقاموا بها إلى سنة 1130، فمات غبراهيم بك أبو شنب، وكان يؤاسي أولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية. فلما مات في الفصل ضاقت معيشتهم، فحضر سالم بن حبيب من عند ابن وافي خفية وذلك قبل طلوع ابن إيواظ بالحج سنة إحدى وثلاثين، ودخل بيت السيد محمد دمرداش وسلم عليه وعرفه بنفسه، فرحب به وشكا له حال غربته، وبات عنده تلك الليلة وأخذه في الصباح إلى ابن إيواظ، فدخل عليه وقبل يده ووقف فقال السيد محمد للصنجق: عرفت هذا الذي قبل يدك. قال: لا. قال: هذا الذي جم أذناب خيولك. قال: سالم. قال: لبيك. قال: أتيت بيتي ولم تخف؟ قال له: نعم أتيت بكفني، إما أن تنتقم وإما أن تعفو فإننا ضقنا من الغربة، وها أنا بين يديك. فقال له: مرحباً لك أحضر أهلك وعيالك وعمر في الكفر واتق الله تعالى وعليكم الأمان. وأمر له بكسوة وشال وكتب له أماناً وأرسل به عبده. وركب سالم وذهب عند إبراهيم الشواربي بقليوب فأقام عنده حتى وصل العبد بالأمان إلى عمه وأخيه في بني سويف فحملوا وركبوا وساروا إلى قليوب ونزلوا بدار أوسية الكفر، حتى بنوا لهم دواوير وأماكن ومساكن، وأتتهم العرنبية ومشايخ البلاد ومقادمها للسلام والهدايا والتقادم. فأقام على ذلك حتى تولى محمد بك ابن إسمعيل بك أمير الحاج، فأخذ منه إجازة بعمار البلد الذي على البحر وشرع في تعمير الدور العظيمة والبساتين والسواقي والمعاصر والجوامع وذلك سنة 1134، واستقام حال سالم وشاتهر ذكره وعظم صيته واستولى على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية من بولاق إلى البغازين، وصارت المراكب والرؤساء تحت حكمه، وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية، وأنشأ الدواوير الواسعة والبستان الكبير بشاطئ النيل، وكان عظيماً جداً وعليه عدة سواق وغرس به أصناف النخيل والأشجار المتنوعة، فكانت ثماره وفاكهته وعنبه تجتنى بطول السنة، وأحضر لها الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك. ولما وقعت الوقائع بين ذي الفقار بك ومحمد بك وجركس المتقدم ذكرها، وحضر جركس بمن معه من اللموم إلى قرب المنشية، وخرجت إليه عساكر مصر، وأرسلوا إلى سالم بن حبيب فجمع العربان وحضر بفرسانه وعبيده إلى ناحية الشيمي وحارب مع الأجناد المصرية حتى قتل سليمان بك في المعركة، وولى جركس، ورجعت التجريدة وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية، وذهبوا خلفه، فعدى الشرق فعدوا خلفه، وطلعت تجريدة أخرى من مصر فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بك جركس فكانت بينهم وقعة عظيمة، فكانت الهزيمة على جركس، وحصل ما حصل من وقوع جركس في الروبة وموته ودفنوه بناحية شرونه كما تقدم، ورجع سالم بن حبيب بما غنمه في تلك الوقائع إلى بلده، واشتهر أمره واشترى السراري البيض، ولم يزل حتى توفي سنة 1151، وخلف ولداً يسمى علياً اشتهر أيضاً بالفروسية والنجابة والشجاعة، ولما مات سالم ترأس عوضه أخوه سويلم في مشيخة نصف سعد، فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته في الإقليم المصري زيادة عن أخيه سالم، ووسع الدواوير والمجالس، ولما سافر الأمير عثمان بك الفقاري بالحج ورجع سنة إحدى وخمسين المذكورة فأرسل هدية إلى سويلم المذكور وأرسل له الآخر التقادم ثم أن الأمير عثمان بك تغير خاطره على سويلم لسبب من الأسباب فركب عليه على حين غفلة ليلاً، وتعالى به الدليل ونزل على دجوة طلوع الشمس، وكان الجاسوس سبق إليهم وعرفهم بركوب الصنجق عليهم فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيولهم بالغيط بعيداً عن البلد، فلما حضر الصنجق ورمح على دورهم ورمى الطوائف بالرصاص فلم يجدوا أحداً. فلم يتعرض لنهب شيء ومنع الغز والطوائف عن أخذ شيء، وبلغ خبر ركوب الصنجق عمر بك رضوان وإبراهيم بك، فركبا خلفه حتى وصلا إليه وسلما عليه فعرفهما، أنه لم يجدهم بالبلد، فركب عمر بك وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط، فرآهم واقفين على ظهور الخيل فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه فقال لهم: لأي شيء تهربون من أستاذكم؟ وعرفهم أنه أتى بقصد النزهة وأحضر صحبته علي بن سالم فقابل به الأمير وقبل يده ورجع إلى دواره وأحضر أشياء كثيرة من أنواع المآكل حتى اكتفى الجميع. وعزموا عليهم تلك الليلة فبات الصنجق وباقي الأمراء وذبح لهم أغناماً كثيرة وعجلين جاموس، وتعشى الجميع وأخرجوا لهم في الصباح شيئاً كثيراً من أنواع الفطورات، ثم قدم لهم خيولاً صافنات، وركبوا ورجعوا إلى منازلهم، ولما هرب إبراهيم بك قطامش في أيام محمد راغب باشا وكان سويلم مركوناً عليه، فجمع سويلم عرب بلي وضرب ناحية شبرا المعدية، فوصل الخبر إلى إبراهيم جاويش القازدغلي، فأخذ فرماناً بضرب ناحية دجوة والخروج من حق أولاد حبيب، فعين عليهم ثلاثة صناجق فوزعوا دبشهم وحريمهم في البلاد وركبوا خيولهم ونزلوا في الغيط ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون، وهجموا على البلد فوجدوها خالية. ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة فوسعوا وذهبوا إلى ناحية الجبل الشرقي، وأرسل إبراهيم جاويش إلى عثمان بك أبي سيف أمير التجريدة بأنه ينادي في البلد عليهم، ولم يدع أحداً منهم ينزل الريف فركب عثمان بك وطاف بالبلاد يتجسس عليهم وظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة إليهم من الريف على الجمال فحجزها وأخذها، وذلك مرتين، ورجع عثمان بك ومن معه إلى مصر وصحبتهم ما وجدوه للحبايبة في البلاد من مواش وسكر وعسل وأخشاب، وهدموا جانباً من بيوتهم، وكان علي بن سالم لم يذهب مع سويلم إلى الجبل بل أخذ عياله وذهب عند أولاد فودة، فلما سمع بالتقريظ على أصحاب الدرك فأتى إلى مصر ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش وعرفه بنفسه وطلب منه الأمان، فعفا عنه بشرط أن لا يقرب دجوة ويسكن في أي بلد شاء، يزرع مثل الناس ثم أن سويلماً ومن معه أرسلوا إلى حسين بك الخشاب بأن يأخذ لهم أماناً من إبراهيم جاويش ففعل، وقبل شافعة حسين بك بشرط إبطال حماية المراكب وأذية بلاد الناس، ويكفيهم الخفارة التي أخذوها بالقوة، واستخلص لهم المواشي التي كان جمعها عثمان بك أبو سيف، واستقر سويلم كمما كان بدجوة وبنى له دوراً عظيمة ومقاعد مرتفعة شاهقة في العلو يحمل سقوفها عدة أعمدة وعليها بوائك مقصورة ترى من مسافة بعيدة في البر والبحر، وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية، وجميعه مفروش بالبلاط الكدان، وبنى بداخل ذلك الدوار مسجداً ومصلى، وبداخل حوش الدوار مساطب ومنايف لأجناس الناس الآفاقية وغيرهم، وبنى تحت ذلك الدوار بشاطئ النيل رصيفاً متيناً ومساطب يجلس عليها في بعض الأوقات، وأنشأ عدة مراكب تسمى الخرجات، ولها شرفات وقلوع عظيمة وعليها رجال غلاظ شداد، فإذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخ عليها أولئك الرجال قائلين، البرفان، امتثلوا واحضروا وأخذوا مننهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار، وإن تلكئوا في حضور قاطعوا عليهم بالخرجات في أسرع وقت وأحضرهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الأمر، وكان له قواعد وأغراض وركائز وأناس من الأمراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم، فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى، وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان مقلديه ملآن بالدنانير الذهب، وكان لا يبيت في داره، ويأتي في الغالب بعد الثلث الأخير، فيدخل إلى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر، فيعمل ديواناً ويحضر بين يديه عدة من الكتبة، ويتقدم إليه أرباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد وأجناد وملتزمين وعرب وفلاحين وغير ذلك، والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الأوراق والمراسلات إلى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده، ولهم فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة، ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ أمر مع فلاحيه إلا بإشارته أو بإشارة من البلد في حمايته من أقاربه، وكذلك مشايخ البلاد مع أستاذيهم، وكان لهم طرائق وأوضاع في الملابس والمطاعم، فيقول الناس سرج حبايبي وشال حبايبي إلى غير ذلك، وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وأرباب الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصاً أرباب المظاهر، وكان إنساناً حسناً وجيهاً محتشماً مقتصراً على حاله وشأنه ملازماً على قراءة الأوراد والمذاكرة، ويحب أهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم، وترددنا عليه وتردد إلينا بمصر كثيراً وبلونا منه خيراً وحسن عشرة، وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله، ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه، وكان أبوهما على نزل بقليوب بدار فيحاء، وكان حسن الخلق وله حشم وأتباع كثيرة وله هيبة عندهم، وكان طيب السيرة فصيحاً مفوهاً في حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة، وكان يفهم المعنى ويحقق الألفاظ ويطالع الكتب ومقامات الحريري ونحو ذلك. ع وقت وأحضرهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الأمر، وكان له قواعد وأغراض وركائز وأناس من الأمراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم، فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى، وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان مقلديه ملآن بالدنانير الذهب، وكان لا يبيت في داره، ويأتي في الغالب بعد الثلث الأخير، فيدخل إلى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر، فيعمل ديواناً ويحضر بين يديه عدة من الكتبة، ويتقدم إليه أرباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد وأجناد وملتزمين وعرب وفلاحين وغير ذلك، والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الأوراق والمراسلات إلى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده، ولهم فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة، ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ أمر مع فلاحيه إلا بإشارته أو بإشارة من البلد في حمايته من أقاربه، وكذلك مشايخ البلاد مع أستاذيهم، وكان لهم طرائق وأوضاع في الملابس والمطاعم، فيقول الناس سرج حبايبي وشال حبايبي إلى غير ذلك، وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وأرباب الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصاً أرباب المظاهر، وكان إنساناً حسناً وجيهاً محتشماً مقتصراً على حاله وشأنه ملازماً على قراءة الأوراد والمذاكرة، ويحب أهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم، وترددنا عليه وتردد إلينا بمصر كثيراً وبلونا منه خيراً وحسن عشرة، وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله، ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه، وكان أبوهما على نزل بقليوب بدار فيحاء، وكان حسن الخلق وله حشم وأتباع كثيرة وله هيبة عندهم، وكان طيب السيرة فصيحاً مفوهاً في حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة، وكان يفهم المعنى ويحقق الألفاظ ويطالع الكتب ومقامات الحريري ونحو ذلك.
ومات الأمير المبجل علي كتخدا مستحفظان الخربطلي وهو من مماليك أحمد كتخدا الخبرطلي الذي جدد جامع الفاكهاني الذب بخط العقادين وصرف عليه من ماله مائة كيس، وذلك في سنة 1148، وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي، وكان إتمامه في حادي عشر شوال من السنة المذكورة، وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي، وفي تلك السنة البس مملوكه المترجم على أوده باشه الضلمة وجعله ناظراً ووصياً، ومات سيده في واقعة محمد بك الدفتردار في جملة الأحد عشر أميراً المتقدم بيانهم، وعمل جاويش في الباب ثم عمل كتخدا واشتهر ذكره بعد انقضاء دولة عثمان بك الغفاري واستقلال إبراهيم كتخدا ورضوان كتخدا الجلفي بإمارة مصر، وزوج ابنته لعلي بك الغزاوي وعمل لها فرحاً عظيمة ببركة الرطلي عدة أيام كانت من مقترحات مصر، وبعد انقضاء أيام الفرح زفت العروس في زفة عظيمة اجتمع العالم من الرجال والنساء والصبيان للفرجة عليها، ودخل بها علي بك المذكور وولد له منها حسن جلبي المشهور، وأنشأ علي كتخدا المترجم داره العظيمة برأس عطفة خشقدم جهة الباطنية وداره المطلة على بركة الرطلي والقصر على الخليج الناصري والقباب المعروفة به وغير ذلك، ونفاه علي بك إلى جهة قبلي كما تقدم، فلما ذهب علي بك إلى قبلي صالحه وانضوى إليه وكان هو السفير بينه وبين صالح بك الأسيوطي حتى أتموه على الوجه المتقدم، وحضر صحبته علي بك إلى مصر وسكن بداره وأقبلت عليه الناس وقصدوه في الدعاوى والشكاوي، وأمن جانب علي بك واعتقد صداقته وظن أنه قلده منته، فلم يلبث إلا أياماً وأخرجه منفياً إلى رشيد، ثم أرسل من خنقه هناك وكان أميراً جليلاً وجيهاً جميل الصورة واسع العينين أبيض اللحية ضخماً مهاب الشكل بهي الطلعة، ودفن هناك.
ومات الأمير محمد بك أبو شنب وهو من مماليك علي بك، وقتل في معركة أسيوط كما تقدم ودفن هناك، وكان من الشجعان المعروفين.